مجزوءة السياسة .
مفهوم العدالة .
العدالة كأساس للحق .
تقديم .
انتقال الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني لايعني بالضرورة انتفاء نوازع التمرد والعصيان لديه، فهذه النوازع لازالت لصيقة بتكوينه الشخصي والطبيعي، فهو بطبيعته ميال إلى الشر وحب السيطرة، مما يفترض بالضرورة تأسيسَ مؤسسات قانونية قادرة على زجر كل تصرف خارج عن اطاره القانوني والتشريعي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل بإمكان المؤسسات التشريعة والقانونية الذي ساهم الإنسان في صياغة بنودها أن تحقق له عدالته التي يُنشدها، ألا يمكن أن تكون القوانين الوضعية جائرة وظالمة ومنحازة في كثيرٍ من الحالات ؟ .
الإشكالية .
من أين يستمد الحق مشروعيته ؟ هل من سلطة القوانين والتشريعات المؤسساتية ؟ أم من خلال الرجوع إلى طبيعة الإنسان الأولى ؟
أطروحة اسبينوزا .
لكي يضمن الإنسان أمنه واستقراره فلا بد له من الإلتزام بالقوانين، فخضوع الإنسان للقوانين هو الضامن الوحيد للعدالة، لماذا ؟ لأنه بالخضوع للقوانين استطاع الإنسان أن يتخلى عن شهواته وأن يتحرر منها، وبتحرر الإنسان من هذه الشهوات والنوازع تمكن من تأسيس مجتمع انساني، مجتمع مبني على قواعد عقلية، فالقوانين هي التي أتاحت للإنسان أن يتمتع بكافة حقوقه من أمنٍ وحرية واستقرار .
وخارج هذه القوانين يستحيل على الإنسان أن يتمتع بهذه الحقوق، وبالتالي فالعدالة هي أساس الحق بالنسبة لإسبينوزا، لأنه من خلال اقرار مبدأ العدالة بين الناس استطاع كل واحد منهم أن يأخذ حقه كاملا، وبالتالي فالحق تضمنه القوانين والتشريعات المتعاقد عليها، أي أن العدالة التي تضمنها التشريعات والقوانين هي الأساس الوحيد لتأسيس الحق .
أطروحة شيشرون .
وجود القوانين في المجتمعات الإنسانية لا يعني بالضرورة أنها قوانين عادلة، وذلك لأن غالبية المشرعين وواضعي القوانين، يضعون هذه القوانين لخدمة مصالحهم وأغراضهم الخاصة، وبهذا فالمشرع لا يكون هدفه من صياغة بنود القوانين هو تحقيق المساواة ونشر قيم العدل والخير بين الناس، ولكنه يبحث من وراء هذه القوانين على تحقيق مصلحته الشخصية فقط، لا مصلحة الأفراد ، ومنه فالقوانين حسب شيشرون لايمكن بأن حال من الأحوال أن تخدم مصالح الإنسان وغاياته، وذلك لأنها قائمة على المنافع الذاتية، وبالتالي فالعدالة لا تتأسس على القوانين كما يعتقد اسبينوزا، وإنما تتأسس من خلال الرجوع إلى الطبيعة الإنسانية، إذ بالعودة إلى هذه الطبيعة يمكننا أن نميز بين الخير والشر، وبين القبيح والحسن، بدون الحاجة للإستناد على أي معيار آخر .
وبالتالي فالحق الوحيد حسب شيشرون الذي يضمن للإنسان عدالته، وهو الحق الذي يتأسس على الطبيعة الإنسانية الخيرة .


إرسال تعليق