مجزوءة الأخلاق .
مفهوم الواجب .
دروس الفلسفة الثانية باكالوريا .
المحور الأول : الواجب والإكراه .
إشكال المحور .
يرتبط الواجب بالإلزام والإكراه، مما يجعله في أحايين كثيرةٍ يتعارضُ مع حرية الإنسان، ولكن مع ذلك فالإنسان يسعى بإرادته والتزامه الأخلاقي، إلى إلزام نفسه بالخضوع للواجب، وذلك ترفعا منه عن شهواته وأهوائه الغريزية .
فهل الواجب بهذا المعنى إكراه خارج عن إرادة الفرد ؟
أم أنه التزام ذاتي نابع من قناعات الإنسان الشخصية ؟
أطروحة كانط
الواجب حسب كانط نابع عن العقل العملي الأخلاقي، فالإنسان يتميز بكونه كائن عاقل، وهذا مايجعلُ منه كائنا مترفعا عن شهواته وميولاته الغريزية، فهو يخضع للواجب انطلاقا من ذاته الحرة، عكس الحيوان الذي يخضع للحتمية الطبيعية، وبهذا فالواجب عند الإنسان يرتبط بإرادته الحرة والخيرة .
هناك واجبات يخضع لها الإنسان لأنها مقيدة بتحصيل منافع ومصالح شخصية .
وواجبات يخضع لها، ويلتزم بها لذاتها، لا لأي منافع يبتغيها من ورائها، إنها واجبات يفرضها العقل العملي الأخلاقي، باعتباره المشرع لكل مايصدر عن الإنسان .
وبهذا يكون الخضوع للواجب حسب كانط هو خضوع للعقل المشرع، بإعتبار أن الواجب هو التزام واكراه، ولكنه التزام واكراهٌ عقليٌ حُر .
أطروحة دوركايم .
يتفق اميل دوركايم مع كانط في أن الواجبَ يحمل قدرا من الإلزام والإكراه، ولكنه يختلف معه في موضوع الإلزام المطلق واللامشروط، فكانط يعتبر بأن خضوعنا للواجب هو خضوعٌ مطلق وغير مشروط، في حين يعتبر دوركايم بأننا إذا ما استطعنا تحويل الواجب إلى موضوعات نحقق من خلالها رغباتنا وملذاتنا، فإن ذالك كفيل بإحداث دافع لتقبل الواجب الذي يفرضها علينا المجتمع بكل طواعية .
المحور الثاني : الوعي الأخلاقي .
إشكالية المحور : من أين يستمد الإنسانُ وعيه الأخلاقي، هل من خلال طبيعته الخيرة ؟ أم من خلال امتلاكه لملكة العقل ؟
أطروحة روسو .
يعتقد جون جاك روسو بأن طبيعة الإنسان الخيِّرة هي مصدر الوعي الأخلاقي، فطبيعة الإنسان الخيرة هي التي تمنحه القدرة على التمييز بين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، فالإنسان يحمل في داخله مشاعر طيبة، تخوِّل له التوافق مع مكونات محيطهِ الإجتماعي، وبالتالي تمكنه من تبني كل المعايير والقواعد الأخلاقية، التي تخوِّل له إدراك أفعاله، وقناعاته، وقيمه، والتمييز بينها .
أطروحة إريك فايل .
يتأسس الوعي الأخلاقي عند إريك فايل من خلال العقل، فالعقل هو أساس الوعي الأخلاقي، فكلما حكَّمنا العقل في تبني آرائنا وأفكارنا، كلما كنَّا أفراداً أخلاقيين، ولذلك ينبغي على الإنسان تغليب جوانبه العقلية على نوازعه الغريزية، حتى يكون إنساناً أخلاقيا، ولكي يكون العقل عقلا أخلاقيا كذلك، فيجبُ عليه تقديم المصلحة العامة الكونية على المصلحة الذاتية الشخصية .
المحور الثالث : الواجِب والمجتمع .
إشكالية المحور : كيف يفرض المجتمع واجباته الأخلاقية على الأفراد ؟ وبأي معنى يكون واجبنا اتجاه الإنسانية، واجبا ضروريا لكي نكون أفرادا أخلاقيين ؟
أطروحة اميل دوركايم .
الواجب الأخلاقي الذي يخضع له الفرد هو واجب محدد سلفا من طرف المجتمع، فالمجتمع هو من يضع القيم والقواعد الأخلاقية التي يتوجب على الأفراد الإلتزام بها . كل الأخلاق والقيم السامية التي تُعلمنا كيفية التعامل مع بعضنا البعض، فهي أخلاق وقيم اكتسبناها من خلال المجتمع عن طريق التنشئة الاجتماعية . فالتنشئة الاجتماعية التي اكتسبناها ونحن صغار، هي التي ضبطت سلوكاتنا وأفعالنا، وهي التي جعلت منا بالتالي أفرادا أخلاقيين .
للمجتمع سلطة في فرض الواجبات الأخلاقية على الأفراد، وغالبا ما تكتسي هذه الواجبات طابع الإكراه والإلزام، وهي واجبات رغم إلزاميتها، إلا أنه لا مناص لنا من الإنفلات منها، وذلك بحكم انتمائنا لبيئة اجتماعية مشتركة.
أطروحة هنري برغسون .
منذ كان الإنسان صغيرا وهو يتلقى من مجتمعه مجموعة من الأوامر الأخلاقية، وهي واجباتٌ يخضع لها الإنسان، حتى وهو جاهلٌ بمصدرها، فالواجبات الأخلاقية يحددها المجتمع، والمجتمع هو من يلزمُ الأفراد بها .
ولكن مع ذلك فيمكننا التمييز بين نوعين من الأخلاف .
أخلاق منغلقة، وهي التي تكون مبنية على اتباع التقاليد والقيم الجامدة للمجتمع، وهي أخلاق منغلقة لأنها لاتدعونا إلى تقبل الآخر والتعايشِ معه .
وهناك أخلاق منفتحة، وهي منفتحة لأنها ذات طابع انساني، إذ تتجاوز الرقعة الإجتماعية الضيقة، لتشمل مختلف المجتمعات الإنسانية الأخرى .
إذا فالواجبات الأخلاقية يحددها المجتمع، ولكن لانقصدُ هنا المجتمع في حدوده الجغرافية الضيقة، وإنما نقصد بذلك المجتمع الانساني الكوني، أي أن واجبات الفرد يجب أن ترتبط بالإنسانية ككل، وليس فقط بمجتمعه الذي ينتمي إليه .


إرسال تعليق