U3F1ZWV6ZTEyMzQ0NzU2Nzk1NjMyX0ZyZWU3Nzg4MTQwMDQ4MjU1

وجود الغير " جميع المواقف بطريقة مبسطة "

 

مجزوءة الوضع البشري .
مفهوم الغير .
المحور الأول : وجود الغير .



مفهوم الغير .
في اللغة العربية نجد بأن مفهوم الغير، يدل على الآخر المغاير، والمختلف  عني، ويقال أن فلان يختلف عن فلان .
وفي الدلالة الفرنسية نجد بأن مفهوم الغير يعني الآخر l' autre، ويمكن تحديد مفهوم الغير في اللفظ الفرنسي بما يلي : الغير هم الآخرون من الناس، والغير هو الذي ليس نفس الشخص، إنه المتميز عنا والمختلف .
أما في الدلالة الفلسفية فإن مفهوم الغير يشير إلى أنا آخر، بوصفه ذات منفردة، ومتميزة عن جميع الأشياء والموضوعات، وبعبارة أدق فإن مفهوم الغير يعني ببساطة : الأنا الذي ليس أنا .


الإشكالية 
هل يشكل وجود الغير بوصفه أنا مختلفة عني ومتميزة، ضرورة بالنسبة لوجود الأنا؟ أم أنه الذات بوصفها واعية وعاقلة، قادرة على إتباث وجودها، بدون الإعتماد على وجوده ( الغير ) ؟ .


تصور ديكارت
ينتقد ديكارت كل التصورات، التي تعتبر بأن وجود الغير، شرط ضروري لتحقيق الوعي بالذات؛ فالذات بالنسبة لديكارت، ذات حدية ومستقلة، فهي بإمكانها أن تحقق وعيها الذاتي؛ بمعزل عن أي وسائط خارجية، انطلاقا من فعل التفكير، فمادامت الذات تفكر؛ فذلك دليل على وجودها، وهو وجود يقيني لا شك فيه، يقول ديكارت : " أنا أفكر إذا أنا موجود " من خلال تصور ديكارت، يتبين بأن الأنا في معزل تام عن وجود الغير، لكي تثبت وجودها الذاتي .



تصور فريدريك هيجل 
العلاقة بين الذات والآخر، علاقة قائمة على الصراع، وعلى نيل الإعتراف؛ حيث يسعى كل من الأنا والآخر ( الغير ) إلى تحقيق وعيه الذاتي، ونيل اعتراف الآخر به، ولكن تحقيق هذا الإعتراف؟ لا يتم إلا من خلال نفي وعي الآخر وسلبه، وهو أمر ينجم عنه انتقال وعي الذات، من وعي بسيط، إلى وعي مطلق، في حين أن الذات الأخرى، تبقى محتفظة بوعيها البسيط ،أي بنفس وعيها الأول، وقد نجم عن هذا صراع، أو ما يسميه هيجل بجدلية العبد والسيد؛ فالسيد هو المُعْتَرَف به، أما العبد فهو في حاجة إلى نفي وعي آخر؛ حتى ينال اعترافه الذاتي، ومن هنا يتبين بأن الأنا، في حاجة إلى وجود الآخر؛ لكي تحقق وعيها الذاتي، غير أن هذا الوجود لايتم بشكل سلمي، بل يقوم على الصراع بين الذوات . 



تصور جون بول سارتر 
يؤكد جون بول سارتر، في كتابه الوجود والعدم، بأن الغير يلعب دورا أساسيا، في تحديد هوية الأنا؛ بحيث يمنح هذا الغير لوجود الذات معنى، ولتوضيح ذلك يقدم سارتر مثالا، من خلال ظاهرة الخجل؛ فهي ظاهرة سيكولوجية تنتاب الأنا في حضور الآخر ؛ إذ لا يمكن للذات أن تستشعرها ( ظاهرة الخجل ) بدون وجوده يقول سارتر :  إن الخجل في تركيبه الأول، هو خجل من الذات أمام الآخر ، فأنا خجول من نفسي حيث أتبدى للغير.

قد تجد أن هناك من الناس، من يعاني من الخجل الإجتماعي، وهو خجل يدفع صاحبه إلى تجنب التجمعات الإنسانية، حيث تجد بأن هذا الشخص الذي يعاني من هذا المرض، يفضل العزلة على يلتقي بالناس، أو أن يمر من أمامهم، وهذا يعني بأن وجود الآخرين، قد يربكنا ويفقدنا القدرة على التحكم في تصرفاتنا وانفعالاتنا النفسية .
رغم أهمية وجود الغير؛ لتحقق الأنا وعيها بذاتها، إلا أن وجود الآخر، قد يشكل عامل سلب لحرية الذات، وبالتالي يمكن أن نخلص إلى أن وجود الغير عند سارتر له وجهين، أحدهما إيجابي، يتجلى في مساعدة الأنا على تحقيق وعيها الذاتي، انطلاقا من وجود الآخر، ووجه سلبي، يتجلى في سلب حرية الأنا . ( ظاهرة الخجل مثلا ) .



خلاصة
إن وجود الغير عند كل من هيجل وسارتر، ضروري بالنسبة للأنا؛ لأنه يساهم في تشكيل وعي الذات بنفسها، وهو بالنسبة لديكارت غير ضروري؛ فالذات تعيش في غنى عن الغير، وذلك لأن ديكارت يعتبر بأن الفكر، هو المحدد الأساسي لوجود الذات، ومادام الفكر شيئا ذاتيا، فإن الأنا تبقى في معزل واستقلالية عن أي وسائط خارجية ( الغير ).

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة