مجزوءة المعرفة .
مفهوم النظرية والتجربة .
المحور الثالث : معايير صلاحية النظريات العلمية .
دروس الفلسفة للثانية باكالوريا .
الإشكالية .
كيف يُمكن إتباث صلاحية النظريات العلمية ؟ وبأي معنى يمكن نعث نظرية ما بأنها علمية، وأخرى بأنها غير علمية ؟
كلود برنار .
في نظر أنصار المدرسة التجريبية فإن المعيار الوحيد للتأكد من صدق وصلاحية النظريات العلمية، لايمكن أن يكون غير التجربة، فالنظرية العلمية تستمد قيمتها وصلاحيتها من خلال قابليتها للتحقق التجريبي، وكل معيار خلاف التحقق التجريبي، لايمكن له أن يؤكد لنا صدق النظرية من خطئها، لماذا ؟ لأن النظرية في حدِّ ذاتها صورة ناسخة لموضوعات الواقع التجريبي، ولذلك فلا يمكن الحديث مع كلود برنار عن وجود معرفة علمية صادقة إلا إذا كانت قابلة للفحص التجريبي، وكل معرفة خارجة عن شروط التجربة؛ فهي خارجة عن حدود العلم، وأقرب ما تكون إلى المعرفة الأسطورية الخيالية والمجرَّدة .
كارل بوبر .
لايُعد معيار التحقق التجريبي كافي بالنسبة للفيلسوف الإنجليزي كارل بوبر؛ للتحقق بشكل كلي ومطلق من صدق فكرية علمية ما، فمعيار التحقق التجريبي معيار محدود بالمكان والزمان، ويوضح بوبر ذلك من خلال طرح المثال التالي : نحن لايمكننا أن نتأكد بأن جميع الأجسام، يمكنها أن تسقط بنفس السرعة في كل زمان ومكان، مؤكدا بذلك أن الملاحظة والتجربة، لا يُمكن تَعميمُها على جميع الأزمنة والأمكنة، ولذلك فالنظريات التي يعتقد أصحابها ( الوضعية المنطقية ) بأنها علمية، هي علمية، ولكن بشكل نسبي ومحدود، إلى حين تفنيدها .
وبالتالي فإن معيار القابلية للتكذيب والتفنيد هو معيار علمية وصلاحية النظريات العلمية، وليس قابليتها للتحقق التجريبي، ومعنى ذلك بأنه ينبغي وضع النظرية في كل الظروف التي تجعلها قابلة للتكذيب، وليس بما يُبرر صِدقها .
ومن بين النظريات التي لايمكن تفنيدها حسب كارل بوبر النظرية الماركسية لماركس، ونظرية التحليل النفسي لفرويد، ولذلك فهي لا يمكن عدُّها نظريات علمية؛ لأنها ببساطة غير قابلة للتفنيد والتكذيب .
بيير تويليي .
يعتبر بيير تويليي بأن معيار التحقق التجريبي،غير قادر على تقديم دلائل وحجج قاطعة؛ لتأكيد صدق وصلاحية النظريات العلمية، فمعيار التحقق التجريبي عاجز عن تبيان صدق النظريات، وهو لا يُغطي سوى جزئيات بسيطة قابلة للمراجعة والنقد .
وفي مقابل معيار التحقق التجريبي؛ فإن تويليي يقترح معيار تعدد الإختبارات والفروض المختلفة؛ للتأكد من صلاحية النظريات، باعتباره معيار يمكننا من مواكبة أعقد النظريات المعاصرة، وباعتبار أنه لاتُوجد أي تجربة حاسمة، بإمكانها تقديم دلائل قطعية على صدق وصلاحية النظريات، كان بذلك معيار تعدد الإختبارات، هو الحل لتغطية هذا الخلل والنقص، الذي تعاني منه النظريات العلمية المعاصرة اليوم .
آينشتاين .
ينتقد آينشتاين معياري القابلية للتجريب والقابلية للتكذيب ، معتبرا بأن هذه المعايير غير كافية؛ لإستيعاب كل النظريات العلمية، بحيث لايمكن استخدام هذه المعايير إلا بخصوص النظريات المرتبطة بتفسير الوقائع المادية، والتي يمكن اخضاعها للملاحظة والتجربة .
ولكن مع تطور العلم، لم تعد هذه المعايير كافية لتُقدم تفسيرا وتصورا واضحا عن بعض الظواهر العلمية الجديدة، كظهور الظواهر الميكروفيزيائية كالإلكترونات والبروتونات، وبالتالي مع ظهور هذه الظواهر العلمية، تغير مفهوم النظر للعلم وللواقع العلمي، حيث أصبح يُنظر للواقع باعتباره واقعاً رياضيا وتجريديا غير محسوس، يتم البرهنة عليه من خلال الإستنباط العقلي، وليس بما هو معطى ومسلَّم به .
مما سبق يخلص آينشتاين إلا أن علمية وصلاحية النظريات العلمية، ليس في قابليتها للتحقق التجريبي، أو قابليتها للتكذيب والتفنيد، وإنما صدقها وصلاحيتها تكمن في تماسكها المنطقي الداخلي، أي أن تكون عناصرها مشتقة من بعضها البعض، عن طريق الإستنباط الرياضي والعقلي الخالص .
خلاصة .
التجربة لوحدها غير كافية للحكم على صحة النظرية من زيفها، وذلك لأن التجربة لم يعد بإمكانها الحكم على مجموعة من الظواهر العلمية، وخاصة بعد دخول العلم في عالم الميكروفيزياء والماكروفيزياء، إذ أصبح العقل هنا هو الفاعل والمبدع في نشأة العلم وتطويره، وذلك من خلال اعتماد العالِم على المنهج الفرضي الإستنباطي، وحيثُ تم إعتماد معايير أخرى غير التجربة للتأكد من صلاحية النظريات العلمية، كمعيار تعدد الإختبارات ومعيار القابلية للتفنيد والتكذيب .
إرسال تعليق